هناك ورمٌ خبيث، عابرٌ للعهود والعقود وحتى للقرون، تشخيصه ليس صعباً، إنه "الفساد"، يضرب لبنان منذ أيام العثمانيين، وأكمل ضرباته أيام الفرنسيين، واستمر مع الاستقلال، وتضاعف في الحرب، وصمد في مرحلة ما بعد الحرب وحلول السلم، وهو ما زال ينخر في الجسم اللبناني، إلى يومنا هذا.
قال رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أمس: "همي الكبير هو مكافحة الفساد الذي نخر إدارات الدولة وصار ثقافة، ولا يوقف هذا الفساد إلا المحاسبة. لبنان ليس مفلساً بل دولة منهوبة، تحكّم به أشخاص أساؤوا إدارة مقدراته، والكل تحت القانون بدءاً من رئيس الدولة. لن تستقيم الأمور إلا من خلال مكافحة الفساد والمفسدين...".
أكثر من عنوان يمكن التوقف عنده:
"الفساد صار ثقافة.
لا يوقف الفساد إلا المحاسبة.
لبنان دولة منهوبة تحكّم به أشخاص أساؤوا إدارة مقدراته".
تكفي هذه العناوين الثلاثة لتشكِّل خارطة طريق لمكافحة الفساد الذي الغاية منه ليس المكافحة للمكافحة بل لاسترداد الأموال المنهوبة، حيث يقول الرئيس إن "لبنان منهوب وليس مفلساً".
خارطة الطريق هذه تستدعي آلية، والأمر ليس مستحيلاً على الإطلاق. والآلية تبدأ بتحديد وجهة "نهب الأموال"، على سبيل المثال لا الحصر، كيف تم تسديد الديون وفق شيكات؟ مَن هم المستفيدون ولا سيما الكبار منهم؟ هذه أحدث بدع الفساد: يُتاح لكبار الذين أخذوا قروضاً، تسديدها بشيكات بأبخس الأسعار، والأموال هي أموال المودعين، يكفي الادعاء على هؤلاء جميعاً، فيكون متاحاً كشف حساباتهم، وحين يبدأ الاسترداد، تضيق الفجوة.
الملف الثاني الذي لا يقل أهمية هو ملف التهرّب الضريبي، واليوم باتت الأمور أسهل مما كانت عليه، لكنها تحتاج إلى قرار وإلى البدء بالتنفيذ.
ولكي تصل الأمور إلى خواتيمها، يجب أن يتلقفها قضاء نزيه لا قضاء يُخيفه القوي ويخافه الضعيف.
ولعل التشخيص الذي ظهَّره رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، لواقع القضاء، هو أسطع تشخيص إذ "بقَّ البحصة" في لقائه "نادي الصحافة" فقال: "لا قضاء في لبنان"، هذه الحقيقة التي لا يجادل اثنان في لبنان بخصوصها، هي التي تشكِّل نقطة الانطلاق لمكافحة الفساد.
إن بلداً لا يهاب فيه الفاسدون قضاءه، هو بلدٌ يقضي عليه الفساد.
جان فغالي - نداء الوطن
|