رغم انّ سعر الصرف الرسمي المحدّد بـ 1507 ليرات بات سعراً وهمياً، الاّ انّه لم يتغيّر بعد رغم مرور عامين ونصف العام على الأزمة المالية. فما الفائدة من بقائه؟ وما تداعيات تغيير هذا السعر على اللبنانيين، خصوصاً إذا ما اعتمد سعر صيرفة رسمياً؟
قيل في السابق إنّ بقاء سعر الصرف على 1500 ليرة، ضروري لأنّه بمثابة «bonus» او وسيلة دعم للبنانيين المثقلين بالغلاء وتدهور سعر الليرة وتراجع قيمة مداخيلهم، لذا هو ساهم في خلال هذه الفترة في تقديم الدعم للبنانيين في معاملاتهم الرسمية خصوصاً، وأبقى فواتير الكهرباء والهاتف والخلوي زهيدة وبمتناول الجميع، كما كانت بمثابة فترة سماح للمواطنين لإنهاء معاملاتهم الرسمية، خصوصاً قبل ارتفاع سعر الصرف. وقد بدا ذلك واضحاً من خلال ارتفاع عدد المعاملات العقارية ونقل الملكية والتسجيل العقاري وتسديد الرسوم المستحقة للدولة، أكان من قِبل الشركات او للبلديات...
الّا انّ الموازنة الجديدة التي يتمّ درسها راهناً في مجلس الوزراء تتحدث عن ارتفاع في الرسوم، منها الرسوم العقارية، رسم الطابع المالي، الرسوم الادارية والدولار الجمركي، لتكون اقرب الى اسعار الصرف الفعلية. ما يعني انّ المرحلة التي دعمت فيها الدولة اللبنانيين من خلال الإبقاء على احتساب الرسوم والضرائب القديمة على سعر صرف 1500 ليرة اقتربت من النهاية، وهي تعدّ لهم في مشروع الموازنة رزمة ضرائب ورسوم معتمدة سعر صرف يتراوح ما بين 15 الى 20 الفاً. وعليه، لِمَ البقاء على سعر الصرف الرسمي 1500 ليرة؟ ما الهدف من ذلك؟ متى يحين موعد تغييره؟ ومن المتضرّر ومن المستفيد من المحافظة عليه؟
يقول الخبير المصرفي نسيب غبريل لـ«الجمهورية»، انّ كل المعاملات الرسمية لا تزال تعتمد سعر صرف الـ 1500 ليرة، كذلك الرسوم والضرائب، ورأسمال الشركات وفواتير الكهرباء والهاتف، في المقابل تتحدث الموازنة عن سعر صرف جديد سيُعتمد في المعاملات العقارية والرسوم الإدارية، وتتحدث عن دولار جمركي من دون ان تحدّد قيمته بعد. والملاحظ، انّ سعر الصرف الجديد سيكون انتقائياً، كونه ينطبق على خدمات دون اخرى. على سبيل المثال، تلحظ الموازنة اعتماد سعر صرف للنفقات يختلف عن المعتمد لدى احتساب الواردات، وهذا لا يجوز. كما يتحدثون عن انّ الدولار الجمركي لن يشمل كل السلع ونسبة الرسوم تختلف من سلعة الى اخرى...
اضاف غبريل: «من الملاحظ انّ الموازنة لا تسعى الى توحيد سعر الصرف، في حين كان يتوقع صندوق النقد من الحكومة ان تضع آلية بذلك، وان تكون بنداً أساسياً من خطة التعافي الاقتصادي».
وأشار الى انّ التفاوض مع صندوق النقد يبدأ بعد ان توافق السلطات الرسمية اللبنانية على الخطة وتقدّمها للصندوق، لافتاً الى اننا لا نزال اليوم في طور المحادثات وليس التفاوض. وقال: «بعد توقيع الاتفاق مع الصندوق تبدأ الضبابية من المشهد الاقتصادي بالزوال، عندها تتضح الأولويات في الإصلاحات مع جدول زمني لتطبيقها، على ان يبدأ صندوق النقد بتحرير الأموال المرصودة للبنان تدريجياً، يترافق ذلك مع شروع مصرف لبنان بإعادة تكوين احتياطاته بالعملات الاجنبية، فتتحرك العجلة الاقتصادية رويداً رويداً، وعندها يتوافق الطرفان، أي لبنان وصندوق النقد، على تاريخ محدّد لبدء عملية توحيد سعر الصرف، وعندها يصبح سعر الصرف مبنياً على العرض والطلب، وتُوحّد الأسعار ويصبح المركزي قادراً على التدخّل في سوق القطع للجم التقلّبات الحادة».
واكّد انّ تغيير سعر الصرف الرسمي هو موضوع حساس. لذا يجب ان تتمّ مقاربته بتأنٍ وروية وطريقة علمية، وليس عن طريق المزايدات. وتابع: «انّ صندوق النقد يحبّذ تحرير سعر الصرف بالكامل، انما هناك اتجاه لتحريره تدريجياً، او إدارة تحرير سعر الصرف، الّا انّ لا تصور واضحاً وأكيداً بعد حول هذا الموضوع».
وعمّا اذا كانت هذه العملية ستستغرق سنة او أكثر، قال غبريل، انّ الامر رهن الوصول الى اتفاق مع صندوق النقد، مدى سرعة وتيرة الاصلاحات ومضمون الاتفاق الذي سيتمّ التوصل اليه.
هل تغيّر سعر الصرف ضروري؟
الى ذلك، لا شك انّ الإبقاء على سعر الصرف الرسمي أي 1500 ليرة ساهم في تقليص بعض النفقات على المواطنين في الفترة السابقة ورفعه الى سعر منصة صيرفة او سعر قريب منها سيشكّل ضرراً كبيراً لن تنجو منه أي من شرائح المجتمع.
وفي التفاصيل، يشرح غبريل انّ استمرار اعتماد سعر صرف الـ1500 ليرة أفاد خصوصاً أصحاب القروض بالدولار، والتي سبق لمصرف لبنان ان سمح بموجب قرار أصدره بأن يُسدّد القرض بالليرة اللبنانية. وكشف انّ محفظة القروض انخفضت 31 مليار دولار منذ أواخر العام 2019 حتى نهاية شهر تشرين الثاني من العام 2021، وذلك بسبب إقدام الأفراد كما الشركات على تسديد قروضهم المتوجبة. ويشمل هذا التراجع القروض بالليرة اللبنانية بقيمة 9 آلاف و400 مليار ليرة، وتراجع القروض بالعملات الاجنبية بـ 25 مليار دولار.
ولفت الى انّ نسبة القروض بالدولار تشكّل ما نسبته 57% حتى نهاية تشرين الثاني من العام الماضي، في حين بلغت نسبة التراجع 60% في تشرين الثاني من العام 2020، هذا وتبلغ محفظة التسليفات الى القطاع الخاص 28 مليار دولار حتى اواخر تشرين الثاني من العام 2021. وتتوزع هذه القروض ما بين قروض شخصية، قروض سكنية، قروض مؤسسات وقروض سيارات...
اضاف: «كذلك استفاد غالبية المواطنين من بقاء سعر الصرف الرسمي على 1500 ليرة عند إجراء اي معاملة في الدوائر الرسمية منها التسجيل العقاري، تسجيل السيارات... كذلك من الملاحظ ارتفاع حجم الاستيراد عام 2021 مقارنة مع العام 2020، وذلك بسبب تحضّر التجار لرفع الدولار الجمركي مثل استيراد السيارات وقطع الغيار والالكترونيات...».
في المقابل، انّ ابرز المتضررين من بقاء سعر الصرف على 1500 ليرة كانت إيرادات الخزينة. ورأى غبريل، انّه لتحسينها ما كان يجب اللجوء الى الضرائب الواردة في الموازنة، حتى لو كانت ضرائب غير مباشرة، مثل زيادة الرسوم. بل كان الأجدى مكافحة التهرّب الضريبي، محاربة التهريب، تفعيل الجباية، مكافحة التهرّب الجمركي، ووضع ضريبة استثنائية على محتكري ومهرّبي المواد والسلع المدعومة والمخزّنة.
المتضررون من تغيّر سعر الصرف هم الشركات لأنّ رأسمالهم محتسب على الليرة اللبنانية على سعر صرف 1500 ليرة، اما تغيّر سعر الصرف كخطوة إفرادية فسيؤثر على رأسمال مؤسسات القطاع العام. بينما تستفيد الدولة التي تقدّر ديونها حالياً بالليرة بما يوازي 60 مليار دولار، في حين متى تغيّر سعر الصرف تتدنّى الى ما بين 6 الى 7 مليارات دولار.
بقلم ايفا ابي حيدر - الجمهورية
|