لا تزال حفنة من القوى السياسية مربكة تجاه القانون الانتخابي النسبي، إذ أنها تعودت منذ نشوء كيان لبنان الكبير على القانون الأكثري.
لا شك أن النسبية معقدة في بلد تركيبته شبيهة بلبنان، فهناك الحسابات المناطقية ومن ثم الطائفية وكذلك المذهبية داخل الطائفة.
وإذا سألت المواطنين أي قانون تفضّلون فسيجيب السواد الأعظم منهم بأنهم يفضلون الأكثري على النسبي لأن الأكثري سهل ويستطيع المنتخب انتخاب من يريد ولا يُجبر على الاقتراع للائحة ليس راضياً عن كل أعضائها.
ومن جهة ثانية فإن للنسبية حسنات كثيرة أبرزها أنها تقضي على المحادل وتستطيع أي قوة موجودة أن تخرق وتضعضع حسابات القوى المهيمنة على البرلمان، ويصبح لكل صوت قيمته، لكن النسبية تحتاج إلى نظام حزبي صحيح.
وإذا كانت غالبية القوى السياسية اُربكت في النظام النسبي، إلا أن «القوات اللبنانية» كانت الأكثر فهماً لهذا القانون واستطاعت من خلاله ان تتمثل نيابياً في أقضية كانت غائبة عنها في انتخابات 2005 و2009 مثل عكار وكسروان وجبيل والمتن وبعبدا وعاليه وبيروت الأولى وبعلبك.
وباستثناء بشري، فإن «القوات» اعتُبرت أنها أكثر من لعب على وتر القانون، إذ رشحت مرشحاً رئيسياً في كل قضاء وصبّت أصواتها التفضيلية عليه، في حين أنها قسمت الأصوات في بشري ونجحت بالفوز بمقعدين.
ويبدو أن استراتيجية الحزب تبدّلت في بعض الأقضية وبقيت كما هي في أقضية أخرى. ففي بشري رشح الحزب بالأساس مرشحين في انتخابات 2018، في حين أن التبديل حصل في زحلة والمتن.
ومعلوم أن كل لائحة يجب أن تكتمل لأن الضغط على أحد المقاعد يمكن أن يعطي فوزاً لمرشح حصل على أدنى نسبة تصويت، وهذا ما حصل بالنسبة للمقعد الأرمني في زحلة والشيعي في جبيل وأحد المقاعد الأرثوذكسية في الكورة حيث فاز المرشح العوني جورج عطالله وخسر مرشح القوات فادي كرم الذي حلّ أول بفارق شاسع عن عطالله.
في انتخابات 2018 صبّت الأصوات القواتية في زحلة على المرشح جورج عقيص وفاز مع زميله على اللائحة النائب سيزار المعلوف، وبعد خروج المعلوف من تكتل «القوات» رشح الحزب إضافة إلى عقيص المحامي إيلي اسطفان عن المقعد الأرثوذكسي.
وتكرر المشهد نفسه في المتن حيث رشحت «القوات» الوزير السابق ملحم رياشي عن المقعد الكاثوليكي ورازي الحاج عن المقعد الماروني بانتظار اكتمال التحالفات، والتي كان آخرها تحالف «القوات» مع حزب «الوطنيين الأحرار» في المتن بعد بعبدا.
وما بات مؤكداً أن «القوات» لا تزال على معرفة جيدة بقانون الانتخاب، لكن الأكيد أن معراب متأكدة من أن باستطاعتها الفوز بأكبر عدد من المقاعد، فهي فازت بمقعدين في زحلة في آخر انتخابات وتطمح لتجديد هذه النتيجة، أما بالنسبة إلى المتن فإن ترشيح رياشي أحرج «التيار الوطني الحر» وقد يدفعه إلى عدم تركيز أصواته على النائب ادي معلوف، في حين أن الحاج كان على لائحة «القوات» الأخيرة، وقد نشط أخيراً في المتن ووقف إلى جانب الناس في أزمتهم ما يشكّل قيمة مضافة للّائحة وقد يكون قادراً على الفوز إلى جانب رياشي في حال إحراز «القوات» مزيداً من التقدّم على الساحة المسيحية.
لا شك أن شعبية «القوات» ارتفعت بعد أحداث الطيونة وغزوة عين الرمانة ما يجعلها تفكر بحصد أكبر عدد من المقاعد في المتن وزحلة وكسروان والشمال المسيحي، خصوصاً وأن خطوط المواجهة باتت واضحة بين سياسة «القوات» من جهة وبين «حزب الله» وممثله على الساحة المسيحية، أي التيار العوني، من الجهة المقابِلة، فالمعركة وطنية وسياسية بامتياز في وقت فشل العهد وجعل الدولة رهينة الدويلة وهذا يقضي على الوجود.
ألان سركيس - "نداء الوطن"
|