فرنسا - لبنان: مقابلة حصرية مع السناتور Xavier Iacovelli، نائب رئيس جمعية الصداقة في مجلس الشيوخ الفرنسي
في هذه المقابلة، يتحدث السيد Xavier Iacovelli، السناتور الفرنسي عن منطقة Hauts-de-Seine ونائب رئيس جمعية الصداقة الفرنسية اللبنانية في مجلس الشيوخ، عن تقييمه للوضع في لبنان وجهود فرنسا من أجل بلاد الارز. ولأسباب تتعلق بجدول أعماله المزدحم للغاية، وأسفاره والقيود الصحية، كان من المستحيل اجراء هذه المقابلة مباشرة بعد رحلته إلى لبنان في يوليو 2021. لكن التأخير أفضل من عدم حصول الاتصال.
1- السيناتور كزافييه ياكوفيلي، لقد كنت ضمن الوفد الذي زار لبنان في تموز 2021. هذه الزيارة كانت مقررة مبدئياً في كانون الثاني 2021 قبل تأجيلها. رسميًا، كان هذا التأجيل بسبب انتشار وباء كوفيد -19، لكن بعض المصادر ذكرت وجود خلافات في الرأي بين البلدين عقب زيارتي الرئيس ماكرون للبنان في اليوم التالي للانفجار في مرفأ بيروت في آب/أغسطس 2020. فماذا بإمكانك الاجابة حقًا ؟
إن وجود خلافات بين حكومتينا حول إدارة الخروج من الأزمة في لبنان، هو أمرطبيعي وواضح للقارئ تمامًا، حتى لو كانت الصداقة القائمة منذ قرون بين بلدينا، في رأيي غير قابلة للتدمير. لكن ليس هذا هو سبب تأجيل رحلتنا إلى بيروت.
بالفعل، فإن رحلتنا المخطط لها في كانون الثاني (يناير) 2021، توافقت على يومين اثنين لموعد تنفيذ الحجز الصارم إلى حد ما، والذي قررته الحكومة اللبنانية. لذلك قام العديد من محاورينا السياسيين والمؤسسيين بإلغاء مقابلاتهم مع وفدنا، مما أدى إلى تأجيل رحلتنا. ومع ذلك، تم الحفاظ على الارتباط الدائم ببلدكم كما بمسؤوليه، وذلك من خلال مقابلات Visio خلال الأسابيع التالية.
2- لنعد إلى زيارات الرئيس ماكرون ومبادرته تجاه لبنان والتي كانت مفيدة. منذ إطلاقها، قرأنا هنا وهناك أن المبادرة الفرنسية كان مصيرها الفشل. وقد تأكد ذلك على الأرض بالشروط التي وضعها حزب الله. ماذا يمكنك أن تخبرنا عن هذا الموضوع ؟
أذكرك أن الرئيس ماكرون كان أول رئيس أجنبي توجه بشكل فوري إلى بيروت، لإرسال موارد بشرية عسكرية ومساعدات وإطلاق معونة طارئة للبنانيين. تسألني لماذا هذا التدخل السريع، ببساطة لأن التاريخ الذي يربط الشعبين الفرنسي واللبناني قوي لدرجة أنه بدا من الطبيعي أن تكون فرنسا موجودة هناك. هذا ما أكده الرئيس ماكرون بحضوره ليس إلى جانب الحكومة اللبنانية بل الى جانب السكان المتضررين من هذا الانفجار. إن البعض، مثل حزب الله، أرادوا إفشال الخطة التي اقترحها الرئيس ماكرون، إنه لأمر واضح ولا يمكن إنكاره.
3- بالنسبة للعديد من المحللين، فشلت المبادرة الفرنسية لأن باريس سعت إلى إغواء إيران من خلال حزب الله. ومع ذلك، يحذر نفس المحللين من أن إيران تغازل أوروبا لكنها تفضل التعامل مع الولايات المتحدة. وسيمنح إبرام الاتفاق في فيينا إيران رفع العقوبات وتعزيز نفوذها الإقليمي بما في ذلك لبنان، دون ضمان امتيازات لأوروبا. هل هناك خطة بديلة لحماية المصالح الفرنسية في لبنان في هذا السياق ؟
السؤال ليس ما إذا كان يجب الحفاظ على المصالح الفرنسية في لبنان، ولكن هل نقبل اليوم أن فرعًا عسكريًا مسلحًا، نوعًا من الميليشيا، يمكن ربطه بحزب سياسي حصل على أصوات اللبنانيين ؟. والسؤال هو ما إذا كان اللبنانيون يرغبون في الحفاظ على وحدة وسيادة البلد، أم هذا التقسيم للبنان تحت تأثير بعض الفاعلين في المنطقة ؟. أنا شخصياً أعتقد أنه يجب الخروج من هذا النفوذ العسكري ونزع سلاح الميليشيات والحفاظ على وحدة لبنان.
4- التقيت خلال رحلتك بالعديد من المسؤولين اللبنانيين والشخصيات السياسية البارزة. ما هي رؤيتك للبنان بعد أن جمعت رؤى الذين التقيتهم ؟
من وجهة نظري كمسؤول سياسي لبلد مثل فرنسا، علماني، حيث تم إدراج وحدة بلدنا وعدم قابليته للتجزئة في النصوص التأسيسية لجمهوريتنا، صحيح أن النظام اللبناني، لجهة التوزيع الطائفي للسلطة، معقد للغاية وينظر إليه على الاقل، على أنه جسم غامض.في الوقت نفسه، مكّن هذا النظام من الحفاظ على وحدة البلاد وقبل كل شيء احترام جميع الطوائف، حتى الأقليات منها. ومع ذلك، فهو يعرقل التناوب الديمقراطي والسياسي بعد الانتخابات.أما فيما يتعلق بمشاعري بعد زيارتي، فإن تداعيات الحرب الأهلية والاستياء منها ما زالت منتشرة في كل مكان، وتجعل من الصعب على الأطراف المختلفة العمل من أجل مصلحة اللبنانيين عامة، والتي يجب أن تكون، رغم كل شيء، أولوية الأولويات.
5- لا بد أنك شاهدت أثناء إقامتك بؤس ومحنة اللبنانيين الذين يعيشون بفضل مساعدات الجاليات الأغترابية والجمعيات. دول أجنبية ترفض إرسال مساعدات عبر المؤسسات اللبنانية المبتلاة بالفساد. هل هناك ضغوط فرنسية تمارس على الحكومة اللبنانية لجعل هذه المساعدات أكثر مرونة ؟ لأن المرفأ والمطار يسيطر عليهما حزب الله، وهو ما يفرز المساعدات ويمنع على سبيل المثال دخول الادوية. يتزايد الحديث عن سياسة منهجية «لأيرنة» لبنان وتحوله إلى سوق للمنتجات الإيرانية. ولا شك أن هذه «الأيرنة» ستتعزز بالتوقيع الوشيك على اتفاق نووي إيراني في فيينا. كيف يمكن لفرنسا أن تتفاعل مع هذا الوضع لحماية النفوذ الضئيل الذي ما زالت تتمتع به في وطن الأرز ؟
لقد تأثرت حقًا ببؤس الشعب اللبناني وكربه في أعقاب هذه الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في بلاد الأرز.
وقد طالبت فرنسا، من خلال مؤتمر «CEDRE»، بتشكيل حكومة من أجل الإفراج عن أول مساعدة مالية للبلاد. كانت هذه الحكومة بطيئة في تشكيلها، لكنها وصلت أخيرا. لكن لا يكفي أن تكون هناك حكومة، إنما إصلاح البلد بعمق لمحاربة التجاوزات التي حدثت لعدة سنوات ولضمان وثبة للإنطلاق بالبلاد اقتصاديًا.
لهذا السبب، كانت فرنسا دائمًا موجودة لدعم السكان من خلال المنظمات غير الحكومية بالإضافة إلى المساعدة المؤسساتية الرسمية المقدمة دعماً لبلدكم. ما يهمني في هذه القضية، ليس ما إذا كان لفرنسا أو لإيران من تأثير على البلد، ولكن ما إذا كان اللبنانيون سيتولون مصيرهم بأيديهم. ولهذا السبب أؤمن بثقل تأثير الشعب صاحب السيادة خلال انتخابات شهر أيار المقبل.
6- ما رأيك في إغلاق المؤسسات وبالأخص العدالة لمنعها من إلقاء الضوء على الانفجار في مرفأ بيروت وما الذي يمكن أن تفعله فرنسا لإنصاف الضحايا ؟
اعتدنا على حكم القانون في فرنسا وفي الدول الديمقراطية، إذن، تبدو لنا هذه الممارسات من عالم آخر. لكنني ما زلت مقتنعا بأن العدالة يجب أن تمر. وتطالب فرنسا بإلقاء الضوء على هذه الكارثة الرهيبة وأرسلت محققين لمساعدة السلطات اللبنانية. أجرؤ على أن أتمنى، مثل الكثير من اللبنانيين، أن تؤدي الانتخابات التشريعية إلى برلمان قوي وحكومة أغلبية من أجل وضع حد لهذه المعوقات. هذا أمر يجب ان يقرره الناخبون اللبنانيون.
7- الحرب في أوكرانيا تخفي محنة لبنان وتقسم اللبنانيين بين موالين لروسيا وآخرين لأوكرانيا. الأول يعتبر أن فلاديمير بوتين يصحح خطأ في التاريخ، والثاني يرى أن أوكرانيا، مثل لبنان، ضحية لنفس العقيدة التي يحملها «المحور» (روسيا ، سوريا ، إيران ، حزب الله). غير أن اللبنانيين يخشون من تراجع بلادهم إلى المرتبة الأخيرة في الهموم الغربية، وتركيزها على أوكرانيا ونتائج هذا الصراع، ومن ثم تسليمها إلى «المحور». ألا تعتقد أنه سيكون من الحكمة «الاحتفاظ بكلتا الجبهتين» في وقت واحد ؟
إن الحرب الرهيبة وغزو أوكرانيا من قبل روسيا هي اضطراب للقارة الأوروبية بكاملها، لكنها أبعد من ذلك، لأن التداعيات الاقتصادية تؤثر على الكوكب بأسره. وربما «استولت» أوكرانيا على المكانة الأولى في الصحافة الدولية، فهذا ما أسلم به كأمر واقع، ونحن على علم بذلك، ولكن لا يمكننا نسيان قضية لبنان.
لهذا السبب، فإن تحرك الاغتراب، بالاضافة الى الدعم الذي يقوده البرلمانيون ومجموعات الصداقة (الرسمية)، الذي هو ضروري لمواصلة الحفاظ على هذا العمل الداعم للشعب اللبناني والبحث عن حل قابل للتطبيق ديمقراطيًا للبنان. وهذا أيضا هو التحدي المتمثل في الانتخابات المقبلة في لبنان، وفي الصلة المبنية والتي نصقلها بيننا وبين المؤسسات الرسمية.
8- لقد أثبتت الأزمة الأوكرانية أن الغرب يستطيع التحرك وفرض عقوبات في وقت قياسي مثل: تجميد أصول الشخصيات الروسية، إخراج البنوك الروسية من نظام سويفت العالمي، تعليق فيزا وماستركارد ... لكن منذ اندلاع ثورة 17 أكتوبر 2019، اللبنانيون يطالبون بإعادة مدخراتهم. انهم يتهمون قادتهم بوضع ثرواتهم في أوروبا. غالبًا ما هدد الرءيس ماكرون والوزير لودريان القادة اللبنانيين بالعقوبات، دون اتخاذ أي إجراء، مستشهدين بالبيروقراطية الأوروبية. بالنسبة للبنانيين، هذه المراوغات الفرنسية هي مسألة تواطؤ أو عدم كفاءة والعقوبات ضد روسيا تزيل كل الحجج حول صعوبة فرض العقوبات. إلى متى سوف تعمل فرنسا بهذا الرضا عن الفاسدين الذين غالبا ما يحملون جنسيتها ؟
أولا، عليك أن تقارن ما يجب مقارنته. الحرب في أوكرانيا هي عدوان دولة أجنبية على دولة ذات سيادة، أما في لبنان فهي صراعات داخلية لا تؤدي إلى نفس الآثار. أوافق على أن غالبية اللبنانيين يريدون وضع حد للفساد ولهروب رؤوس الأموال ويأملون في استعادة الأموال المحولة إلى الخارج. لكني أحيلكم إلى إجابة سابقة تتعلق بعرقلة المؤسسات. مع التغيير المأمول في الانتخابات التشريعية، وإطلاق يد العدالة، يمكن أن يحارب الفساد بشكل أفضل وتنظيف وتنقية المالية العامة، أو حتى العمل على استعادة الأموال المحولة. أخيرًا، أذكركم بأن القرارات الأوروبية تتخذ بالإجماع. دفعت خطورة الوضع في أوكرانيا جميع الدول الأوروبية إلى إيجاد هذا الإجماع بسرعة، وهو لأمرغير واضح بالنسبة للبنان.
9- يستعد لبنان لإجراء انتخابات تشريعية في شهر ايار المقبل. انتخابات حاسمة لمستقبل البلاد، ونتيجة لذلك، قد يتم تأجيلها. ماذا سيكون موقف باريس إذا، لسبب أو لآخر، تم تأجيل عملية الاقتراع ؟
لطالما أكد الرئيس ماكرون والدبلوماسية الفرنسية ودافعوا عن وجوب إجراء الانتخابات التشريعية في موعدها، أي في مايو/أيار المقبل. وهذا هو شرط الانتعاش الاقتصادي للبنان والمساعدات التي سيواصل المجتمع الدولي تقديمها.
للإجابة على سؤالك، وبدون أن أكون المتحدث باسم الدبلوماسية الفرنسية، أعتقد أن فرنسا لن تكون قادرة على قبول تأجيل هذه الانتخابات ذات أهمية عالية.
10- إذا أجريت الانتخابات في موعدها المحدد فإنها ستؤدي إلى تجزؤ مجلس النواب. يأمل السياديون أن يصبحوا أقوى بينما يقسم حزب الله وحلفاؤه أن عملية الاقتراع لن تغير شيئًا، أي، مهما تكن نتيجة الاقتراع. ماذا سيكون رد فعل فرنسا إذا كان هذا هو الحال ؟ هل ستدعم السياديين ؟ في هذه الحالة، هل يمكننا التفكير في تطبيق قرارات الأمم المتحدة التي تتطلب نزع سلاح المليشيات ؟
هناك العديد من الأسئلة التي سأحاول أن أعطيك رؤيتي بشأنها. من ناحية أخرى، فيما يتعلق بانقسام البرلمان المستقبلي، بصفتي ديمقراطيًا، أثق في الخيارات السيادية للشعب. وأنه عندما نكون في دولة ديمقراطية، لا تتم كتابة الانتخابات مسبقًا.
لا يمكن أن يكون لفرنسا اي تدخل في اختيار الشعب ذي السيادة. خاصة وأن فرنسا تدعم لبنان وتؤمن بالديمقراطية. الأمر المؤكد هو أن فرنسا لا تستطيع دعم الجماعات المسلحة والميليشيات أيضًا.
المهم ان المجلس النيابي المقبل والحكومة المنبثقة عنه يستطيعان الشروع في الاصلاحات الضرورية للبنان والشعب اللبناني. ستظل فرنسا دائمًا إلى جانب الإصلاحيين من أجل مصلحة الشعب.
11- كيف تقيمون المفاوضات المتعلقة بترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بقيادة الولايات المتحدة ؟ يتهم المزيد والكثير من اللبنانيين الرئيس ميشال عون بالتنازل عن أكثر من 1400 كيلومتر مربع من المياه الإقليمية لإسرائيل مقابل رفع العقوبات الأمريكية عن صهره جبران باسيل. ما هو رأيكم في هذا الموضوع ؟
بالفعل، فقد سال الكثير من الحبر حول هذا السؤال دون أن تجد الحقيقة مكانها. وبحسب وسائل الإعلام فإن السيناريو معقول لكنه مؤسف للغاية. لكنني أشعر بالأسف أيضًا للصمت الذي رافق التنازل عن مئات الكيلومترات المربعة من المياه الإقليمية لسوريا في شمال لبنان. السؤال لم يثير نفس الجدل، وهنا سر آخر.
12- كلمة أخيرة، حضرة السيناتور Iacovelli، حول الانتخابات الرئاسية في فرنسا: لقد أصيب العديد من اللبنانيين-الفرنسيين، بخيبة أمل إزاء الإجراءات الرسمية (وبالتأكيد، ليس ازاء عمل الشعب الفرنسي) وذلك منذ حقبة ما بعد الرئيس جاك شيراك. ما رأيك في هذا الموضوع الذي يهم حاملي الجنسية المزدوجة ؟
لا يمكننا التراجع عن أفعال الماضي، لكن يمكننا التدخل في المستقبل. فرنسا تحب لبنان والفرنسيون اخوة مع اللبنانيين والرئيس ماكرون يحب لبنان بشكل واضح وسيساعده دائما.
لقد أظهر رئيس الجمهورية طوعيته وقدرته على الرضوخ تجاه أي عقبة.
لقد أظهر إيمانويل ماكرون استعداده ليكون إلى جانب الشعب اللبناني وإشراك المجتمع الدولي في تقديم الدعم الاقتصادي والمالي والإنساني للبنان.
لا تستطيع فرنسا أن تحل محل لبنان، لكن يمكن لفرنسا أن تشجع اللبنانيين، في لبنان وفي العالم أجمع، على حذو هذه الفرصة وعلى هذا الحق في التصويت للانتخابات المقبلة، والحرص على إدارة مصيرهم وبالتالي، القيام بالإصلاحات اللازمة.
ستدعم فرنسا دائمًا، من خلال الرئيس ماكرون، تحرر الشعوب وكل الذين يريدون تقدمًا ديمقراطيًا للبنان.
|