لا حسم بعد لمسألة نزع فتيل الازمة المفتوحة بين القضاء وجمعية المصارف مع انعكاسها على مجلس الوزراء المسؤول الاول عن تسيير عمل المؤسسات وانتظامه، فضلاً عن اولوية عدم تخليه عن الواجبات المطلوبة منه حيال المواطنين إذ ترتد عليهم سلباً كل المشكلات والمناكفات المفتوحة التي تثبت ان الجميع يسير في مقولة الدولة الفاشلة التي لا تقوم بتوفير الحد الادنى للبنانيين. ولا يخجل المسؤولون من دعوتهم في ذروة هذا التقهقر في أكثر من حقل للتوجه الى صناديق الاقتراع في الانتخابات النيابية التي لا همّ عند اكثر اصحابها الا حجز مقاعد في البرلمان ولو على أوجاع الناخبين واستغلالهم. ولم يعد هناك مانع من استعمال ورقة القضاء في تسجيل النقاط على الخصوم واستعمال اسلحة ممنوعة في سبيل تثبيت مقعد نيابي من هنا وهناك، ولو طارت كل الودائع في المصارف، والتي لم يحسن كل المعنيين الحفاظ عليها.
في غضون ذلك، ينطلق الرئيس نجيب ميقاتي من مسلّمة ان الحكومة لن تتدخل او تعمل على تخطي مسألة فصل السلطات، ولذلك اجتمع الوزراء وتكلموا في جلسة السبت وأجمعوا على تثبيت أصول القانون والقضاء والمحاكمات الجزائية. ولم يأتِ من فراغ ما قاله ميقاتي بعد تشديده على أركان السلطة القضائية ليقوم كل معني بدوره مع الالتزام بالاصول القانونية كاملة وعدم القفز فوق مندرجاتها. وكانت رسالة الحكومة للقضاء بأنها لا تعمل ولا ترغب في حماية فلان على حساب آخر او حماية المصارف على حساب المودعين وسائر المواطنين. ووصل الامر بالسلطة التنفيذية الى حدود "الرجاء والطلب" من القضاة المعنيين القيام بالواجبات المطلوبة منهم. ويبقى ما يهم رئيس الحكومة بحسب ما أسمعه للوزراء ومراجعيه هو "تنفيذ القانون من دون زيادة او نقصان". وما سمعه من أركان الجسم القضائي بواسطة وزير العدل هنري خوري هو التوقف عند مسألة ان لا يظهروا من وجهة نظرهم انه تم استدعاؤهم الى مجلس الوزراء، ولذلك أرادوا ان يحافظوا على هذه الاستقلالية. وكان ميقاتي قد أبلغ خوري قبيل الجلسة أنه لا يمانع هذا الطلب "ولا مشكلة". ولم يسبب هذا المخرج احراجاً له ولا للحكومة على اساس انها لا تريد ولا تقدِم على اعطائهم أمرا يعاكس القانون او يخالفه، وما يصر ان يركز عليه ميقاتي امام اللبنانيين هو ان كل ما يطلبه من القضاء تطبيق القانون، وان الامتثال للقانون وتطبيقه ليس جريمة.
وبعد الضجة التي أثيرت حول كلامه اذا لم يطبقوا (القضاة) القانون جاء جوابه "منشيلو عالبيت". ولا يهدف من هذه الجملة بحسب مصادر وزارية الى النيل من موقع الجسم القضائي ودوره بل كل ما يريده هو انتظام عمل المؤسسات، وان الحكومة في النهاية لن تقدم على اقامة تماثيل من ذهب للقضاة الذين لا يقومون بالواجبات المطلوبة منهم. وايد اعضاء الحكومة رؤية ميقاتي هذه، ولا سيما من طرف القضاة الاربعة حيث طالبوا جميعهم بأن تأخذ المراجع القضائية زمام المبادرة على اساس أن على القضاة المعنيين ان يقوم كل منهم بالدور المطلوب منه من دون زيادة او نقصان . وترى مصادر وزارية وقضائية انه من غير المنطق تكبير الحجر وتحميل ميقاتي كل هذه المسؤولية عند قوله "منشيلو عالبيت".
وفي زحمة هذا الكباش والتحديات المنتظرة، الى اين تسير الامور؟
بحسب معلومات لـ"النهار" ان الاتصالات استمرت بين ميقاتي وخوري والقضاة المعنيين بالتواصل مع جمعية المصارف، وسيتم استكمالها اليوم الاثنين. ويؤكد العدد الاكبر من الوزراء حصول جملة من المخالفات، وان النيابة العامة (في جبل لبنان) لا يحق لها القيام ببعض الاعمال مثل الحجز على مصرف ما لعدم الاختصاص لان هذه المسألة تعود الى النيابة العامة المالية او التمييزية. وما يجري هو حصول جملة من المخالفات من نوع انه ممنوع على (القاضية غادة عون) ما قامت به، وان المحقق هو من يقدم على منع السفر او تطبيق الحجز.
واذا بقي الوضع على هذا المنوال، ما هو انعكاسه السلبي على البلد، ولا سيما اذا تخطى اضراب المصارف اليوم وغدا؟
تردّ مصادر مواكبة في الحكومة انه اذا استمر هذا السيناريو فان البلد ومؤسساته ستُشل نهائيا، وسيؤدي هذا الامر الى عدم حصول الموظفين في مختلف القطاعات على رواتبهم من المصارف، وان في الامكان تخطي هذه الازمة، ولا سيما ان ميقاتي يكرر في مجالسه أن لا مشكلة بينه وبين الرئيس ميشال عون. لكن ثمة من يميز هنا بين موقف رئيس الحكومة هذا من عون وقيام جهات محسوبة على "التيار الوطني الحر" بهذه الحملات من اجل استثمارها في الانتخابات النيابية مع تكرار رئيس الحكومة أنه يريد حصول الاستحقاق في موعده.
ورداً على سؤال عن الجهات المصممة على تطيير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة؟ يأتي الجواب من قلب الحكومة بتأييد من ميقاتي الذي سبق له ان ناقش هذا الموضوع مع عون، وخلص الى ثابتة تقوم على قبوله بأي أمر على قاعدة التوافق. اي بمعنى انه اذا كان الاتفاق على اسم فان ميقاتي لا يعارض ازاحة سلامة من منصبه غداً وهو ليس متمسكاً به.
وهل المطلوب تحميل سلامة وزر كل الانهيارات المالية التي تراكمت بفعل سياسات الدولة والحكومات المتعاقبة ومجلس النواب والمصارف؟ يأتي الرد من مصادر في الحكومة: "يبقى المطلوب اولاً انقاذ البلد من هذه الكارثة الكبرى، وان تطبيق القانون يبقى الخيار الأسلم للجميع".
"النهار"- رضوان عقيل
|