تظهر المداولات الأولية، التي تجرى ببطء على هامش نتائج الانتخابات، أن لبنان أمام أيام حاسمة: إما أن يدخل في مواجهة سياسية واسعة تؤدي الى تعطيل عمل المؤسسات، بما فيها المجلس النيابي قبل بدء عمله، أو تفتح الباب أمام تسوية ستكون حكماً مختلفة عما كان سائداً، ربطاً بالواصلين الجدد الى المجلس النيابي. فيما يُنسب إلى شخصيات يجري تقديمها باسم «قوى التغيير» أن مساعيها لتشكيل جبهة سياسية واسعة تتطلّب حسم الموقف من عناوين كثيرة، أهمها من ستنتخب لرئاسة المجلس النيابي، ومدى الاستعداد للمشاركة في حكومة وحدة وطنية موسعة.
في غضون ذلك، برزت ملامح لمواقف الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالوضع في لبنان. في السعودية، مثلاً، يسود مناخ بأن حلفاء الرياض «حققوا إنجازاً يُبنى عليه». ترجمة ذلك أن الفريق القريب من السعودية مستعدّ لمقايضة التصويت أو تسهيل إعادة انتخاب نبيه بري رئيساً للمجلس النيابي، في مقابل تسهيل فريق حزب الله وحلفائه ترشيح رئيس للحكومة يمثل حلفاء الرياض، بما يعيد إلى هذا الفريق التوازن قبل معركة رئاسة الجمهورية. ويبدو ممّا نقل عن الرياض أن هناك فيتو سعودياً أوّلياً على إعادة تسمية نجيب ميقاتي رئيساً لحكومة انتقالية تستمر حتى الانتخابات الرئاسية، مع تسجيل حركة سياسية غربية في الساعات الماضية أعادت طروحات قديمة إلى التداول، من بينها تسمية نواف سلام لرئاسة الحكومة، علماً بأن ترشيح الأخير طُرح منذ استقالة الرئيس سعد الحريري بعد ١٧ تشرين. ويبدو أن القوى الغربية، وتحديداً الولايات المتحدة التي ترى أن الانتخابات أوصلت إلى البرلمان مجموعة من النواب «التغييريين» و«المستقلين» المعروفين بولائهم لواشنطن، عادت إلى طرح اسم سلام باعتبار أن هناك إمكانية لتأمين غالبية تسمّيه للمنصب تتألف من القوات اللبنانية وحلفائها ومن عدد من النواب الجدد، إضافة إلى قوى سياسية تقليدية. وكان سلام قد رفضَ قبل الانتخابات كل محاولات الرئيس فؤاد السنيورة لإقناعه بالترشح للانتخابات في دائرة «بيروت الثانية»، وعلّل رفضه هذا بأنه «لا يُريد أن يحرق نفسه في هذا الاستحقاق، ما دام اسمه في بورصة المرشحين لرئاسة الحكومة».
ووفق مصادر مطّلعة، فإن طرح سلام إشارة إلى «استمرار المشروع الذي يريد دفع البلاد إلى المواجهة». إذ إن سلام ليس شخصية تسووية، و«من يشجع على هذا الطرح لم يقرأ جيداً نتائج الانتخابات في الأرقام وفي السياسة»، مشيرة إلى أن اسم الرئيس ميقاتي سيبقى مطروحاً محلياً، ومن قبل الفرنسيين أيضاً.
هذه الأجواء تشير إلى آفاق مغلقة في المرحلة المقبلة وإلى خشية من عدم إمكان تشكيل الحكومة التي ستكون حلبة الصراع الأساسية، وخصوصاً أنها تأتي قبيل أشهر من الانتخابات الرئاسية، وأنها من يفترض أن يمسك بمقاليد الأمور في حال الفراغ الرئاسي المرجح في ظل عدم نضوج التسويات الإقليمية.
في غضون ذلك، بدأت المداولات في الصالونات السياسية حول انتخابات رئاسة المجلس الجديد والترشيحات لمناصب رئيسية، من بينها نائب الرئيس وأعضاء مكتب المجلس، فيما فُتحت لعبة المقايضة، وخصوصاً أن خصوم حزب الله يريدون إحراجه بعدم التصويت للرئيس بري، اعتقاداً منهم بأن الحزب غير قادر على ضمان وصول رئيس للمجلس من حلفائه، وأن الأمر يحتاج الى تبريد الرؤوس الحامية، بعدما أظهرت الاتصالات الأولية وجود تحالف متنوع يبدأ بحزب الله وينتهي بالحزب التقدمي الاشتراكي، ويضمّ عدداً غير قليل من الكتل الصغيرة أو المستقلين ممن يمكنهم توفير غالبية بسيطة لإعادة انتخاب بري في حال قرر حزب القوات اللبنانية وبعض المجموعات المعارضة من الواصلين الجدد المقاطعة. وأن بين المقربين من بري من يطرح جدياً ترشيح النائب المنتخب ملحم خلف نائباً لرئيس المجلس، مع محاولة إطلاق حفلة مقايضات على إدارة اللجان النيابية الرئيسية.
وبعد المؤتمر الصحافي الهادئ لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية، والتصريحات الواقعية لكثير من حلفاء المقاومة، ودعوة الرئيس بري الى وقف التصعيد، فتح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، أمس، الباب أمام التسويات الكبرى، مشيراً الى أنه «لا يوجد فريق سياسي اليوم يستطيع الادعاء بأن الأغلبية النيابية معه، ما يعني أن الكل مسؤول ولا يجوز لأحد التخلي عن المسؤولية». وشدّد على أن «الأزمات لا تعالج إلا بالشراكة والتعاون بمعزل عن الخصومات... فلنذهب الى نقاط الاتفاق والتعاون وتهدئة السجالات السياسية»، مشيراً إلى أن «هناك أناساً لا مصلحة لهم في تهدئة البلد، وهم يقبضون أموالاً على الاستفزازات». ودعا إلى قراءة نتائج الانتخابات جيداً وعدم «المغالطة في الخلط بين الحجم الشعبي وعدد النواب». نصر الله، الذي تحدث بهدوء، أكد بما لا يدع مجالاً للشك أن فريقه ليس مستعداً لتنازلات في القضايا الرئيسية، وكرر أن كتلة الحزب النيابية ستنطلق بأداء مختلف لتحقيق ما وعدت الناخبين به.
ميسم رزق - الاخبار
|