لم تأخذ مشاورات التكليف والتأليف منحى جدياً بعد، على عكس المرحلة التي كانت تسبق تأليف الحكومات الماضية، قبل الشروع في الاستشارات النيابية الملزمة. هذا مردّه بحسب البعض، الى عدم تحديد رئيس الجمهورية موعد الاستشارات بعد وانتظار الانتهاء من استحقاق انتخاب اللجان النيابية، فضلاً عن الانشغال في موضوع ترسيم الحدود البحرية والتنقيب في حقل «كاريش» وانتظار مجيء الوسيط الأميركي. فيما يرى آخرون أن لا حماسة لدى قوى سياسية للإسراع في تأليف الحكومة تَرقّباً لكلّ الأوضاع الداخلية والخارجية، وإذا كانت تسمح في استهلاك الوقت من دون حكومة جديدة الى حين إنجاز استحقاق رئاسة الجمهوية بما أنّ ولاية الرئيس العماد ميشال عون تنتهي بعد نحو 5 أشهر.
على رغم ذلك، يجري تشاور أوّلي بين القوى السياسية حيال التكليف والتأليف في انتظار دعوة عون الى الاستشارات، كذلك أعلن بعض الأطراف مواقفهم حيال مواصفات الرئيس المكلف أو شكل الحكومة، بحيث يدعو «حزب الله» الى حكومة وفاق وطني فيما حدّد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع مواصفات رئيس الحكومة العتيد وحكومته، ومنها أن يتعهّد الرئيس المكلف بعدم تخصيص أي وزارة لأي طائفة. والى «الشروط السيادية» التي حدّدها جعجع، يشكّل هذا التعهد المطلوب من رئيس الحكومة موضع خلاف أيضاً، بعد أن تشدّد «الثنائي الشيعي» خلال تأليف الحكومات الأخيرة، في تخصيص وزارة المال للشيعة، وذلك للحفاظ على التوقيع الثالث على المراسيم.
هذا التمسّك الشيعي بوزارة المال كان من أبرز الأسباب التي أجهضت مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال جَمعه القادة اللبنانيين الى طاولة قصر الصنوبر في أيلول 2022، كما اعتبر البعض حينها، كذلك أدّى الى عرقلة مهمة الرئيس المكلف مصطفى أديب في تلك الفترة وكان من العوامل التي دفعته الى الاعتذار عن هذه المهمة. وتمكن «الثنائي الشيعي» من الحصول على وزارة المال في التشكيلات التي قدّمها الرئيس سعد الحريري الى عون، قبل اعتذار الحريري أيضاً، ثمّ حصل «الثنائي» على وزارة المال في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي والتي باتت حكومة تصريف أعمال. كذلك أدّى تمسُّك «الثنائي» بوزارة المال الى عدم اعتماد المداورة وتمسُّك بقية الأطراف بالحقائب السيادية نفسها التي كانت معطاة لهم في حكومة الحريري قبل تشرين 2019.
فهل يتمسّك «الثنائي» بوزارة المال في الحكومة العتيدة؟ وهل يتذرّع بقية الأفرقاء بذلك لعدم اعتماد المداورة، وتبقى «الخارجية» و»الدفاع» من حصة عون و»التيار الوطني الحر»؟ قد يكون هذا الطرح سابقاً لأوانه، إلّا أنّه بحسب الجَو السياسي العام، إنّ تسمية أي رئيس حكومة ترتبط بكلّ هذه الطروحات مسبقاً، لكي لا يكون «التكليف للتكليف» ويتعذر التأليف. كذلك إنّ هذا الأمر مرهون بنتائج استشارات التكليف، وبأي غالبية أصوات ستظهر، وإذا كانت قوى المعارضة ستتمكّن من تأمين غالبية لاسم معيّن، فهذا يضع «حزب الله» خارج المعادلة الحكومية مبدئياً بحسب مواقف هذه القوى المعارضة، وفي مقدّمها «القوات».
وفي حين ترجّح مصادر قريبة من «الثنائي الشيعي» أن يبقى متمسكاً بوزارة المال، إلّا أنّ «حزب الله» يؤكد أنّ «أحداً لم يتحدث معنا بعد لا بإسم رئيس الحكومة، ولا بطبيعة الحكومة وما هل ستكون سياسية أو تكنو سياسية أو حكومة اختصاصيين، فلم يبدأ الكلام في هذا بعد. ومن يتحدث عن وزارة المال وطائفة الوزير التي سيتولّاها يضع العراقيل باكراً، فيما أنّ كلّ هذا ليس مطروحاً الآن، ولا يزال باكراً الحديث عنه. فحتى رئيس الجمهورية لم يصل الى مناخ معين لإجراء الاستشارات، وبالتالي لا زلنا بعيدين من الحديث عن وزارة المال وطائفة الوزير. ولم يحصل نقاش في الموضوع معنا بعد».
وبحسب «الحزب»، «يجب أولاً تحديد موعد الاستشارات والأسماء المقترحة للتأليف، بعدها يطرح الرئيس المكلف شكل الحكومة والمداورة من عدمها، وعندها نحدّد موقفنا. ومن يضعون شروطاً مسبقة قبل أوانها، يخطئون بذلك».
أمّا بالنسبة الى موقف «حزب الله» في حال تمكّن خصومه من تأمين غالبية وتسمية شخصية لتُكلّف تأليف الحكومة، وإذا كان سيقبل بالنتيجة و»يجلس جانباً» حكومياً، فهو، كالآتي:
ـ أولاً، إذا كانوا الغالبية ليقوموا بما تقتضيه الغالبية، علماً أنّه في انتخابات رئيس مجلس النواب ونائب رئيس المجلس لم يثبتوا أنّهم الأكثرية.
ـ ثانياً، هم يقولوا انّهم غالبية، ومن الطبيعي أنّ فريق الغالبية سيسمّي رئيس الحكومة والفريق الثاني يعطي رأيه. وبالتالي، لا تعود القضية إذا كنّا نقبل بذلك أم لا، فهذه هي الديموقراطية.
ـ ثالثاً، ما نطرحه نحن هو مشاركة الجميع، فالبلد أمام أزمة، من ترسيم الحدود واحتمالات الحرب الى الوضع الاقتصادي السيئ، ولا يجب أن يضع كلّ طرف شروطه، ونحن نفضّل أن يكون جميع اللبنانيين مع بعضهم البعض ومتماسكين حول موقف وطني واحد لإخراج البلد من الأزمة.
ويشير «الحزب» الى أنّ «غالبية الحكومات كانت حكومات وفاق وطني، وحين ذهبنا الى حكومات غالبية، «ما مِشي حالها»، من حكومة ميقاتي السابقة التي اعتُبرت من قبل الحريري والآخرين أنّها حكومة أكثرية الى حكومة حسان دياب التي اعتُبرت حكومة اللون الواحد، وهذا لأنّ تركيبة البلد الطوائفية والسياسية والمناطقية لا تسمح لفريق أن يحكم من دون التعاون مع الفريق الآخر. وبالتالي إنّ حكومات الوفاق الوطني أفضل الحكومات لتجنُّب الانقسامات السياسية ولكي تقف القوى بعضها مع بعض لإيجاد حلول للأزمات».
وإذ يلفت «الحزب» الى أنّ خصومه يقولون إنّ حكومات الوحدة الوطنية جمّدت البلد وأن حكومات اللون الواحد فاشلة»، يسأل: «ماذا يريدون؟». وحين يُقال لـ»الحزب»: إنّهم يريدون حكومة يؤلفونها من دون مشاركته وحلفائه، يجيب: «ليجرّبوا».
أمّا بالنسبة الى طرح تكليف ميقاتي مجدداً تأليف حكومة أو إعادة منح الثقة لحكومة تصريف الأعمال الحالية، فيتريّث «الحزب» في تحديد موقفه الى أن «يصبح الطرح جدياً». ويقول: «إنّ موقفنا من موضوع تسمية ميقاتي أو طبيعة الحكومة وشكلها، نحدّده في الاستشارات».
راكيل عتيِّق - الجمهورية
|