رست العلاقة بين القوات اللبنانية ورئيسة الكتلة الشعبية ميريم سكاف على ما كان متوقعا من نتائج خلال الانتخابات البلدية المقبلة في زحلة. وخلصت جولات المفاوضات المطولة التي خيضت بينهما الى توافق على تسمية المرشح سليم غزالي رئيسا للائحة مشتركة، ستخوض المواجهة بمقابل لائحة أخرى بات تشكيلها محسوما أيضاً، ويرأسها رئيس البلدية الحالي أسعد زغيب مدعوما من النائب ميشال ضاهر. مع إمكانية لظهور لوائح أخرى لم تتبلور معالمها حتى الآن.
تسمية غزالي تمت خلال تواجده في الخارج حيث مركز أعماله. وعليه، ما إن وصل الى المدينة مساء أمس السبت، حتى توجه إلى لقاء سكاف وعدد من مناصريها في مكتب الكتلة الشعبية برفقة النائب القواتي الياس اسطفان . بعدها عقد مؤتمرا صحافيا أعلن من خلاله أنه مدعوم من القوات اللبنانية.
تعاون للمرة الأولى
يرسي هذا التحالف الانتخابي علاقة تعاون هي الأولى بين الكتلة الشعبية والقوات اللبنانية منذ العام 2005، بعد ما شابها من توترات أبعدت وريثة الكتلة ميريم سكاف عن المشهد السياسي والبلدي، وخصوصا في الولاية الأخيرة لهذا المجلس الذي تشكل من تكتل الأحزاب المسيحية: القوات، الكتائب والعونيين بالتحالف مع رئيس البلدية الحالي أسعد زغيب. فهل تكون عودة سكاف الى الحياة السياسية، من باب المجلس البلدي هذه المرة؟
كان النائب الكاثوليكي جورج عقيص واضحا في حديث إذاعي أدلى به قبل أيام، إذ أشار الى "أن التحالف البلدي قد لا ينسحب على التحالفات النيابية المقبلة". ومع ذلك يشكل تحالف القوات- سكاف "بروفة" للتحالفات النيابية المقبلة في المدينة، فإما أن يرسخها بما يجعل القوات اللبنانية تعيد حساباتها في اختيار المقاعد النيابية التي ستخوض معركتها فيكون الثمن التخلي عن المقعد الكاثوليكي لسكاف، أو أن ينفرط عقد التحالف في الانتخابات النيابية المقبلة، فيخلف تداعياته على المجلس البلدي الذي تمتد ولايته الى أبعد من ولاية النواب المنتخبين.
غير أن البارز في المعركة البلدية الحالية، أن الكتلة الشعبية لن تخوض هذه المرة معركة رفض احتكار قرار المدينة من قبل "الخارج"، علما أن هذا العنوان التقليدي تكرر في معظم معارك الكتلة الشعبية منذ ما قبل الطائف، وأبرزها معركة العام 1963 النيابية التي واجه خلالها الشاعر سعيد عقل الكتلة الشعبية، فاتهم بخوضه معركة ما كان يعرف بالمكتب الثاني على البيت السكافي و"الزعامة السياسية التقليدية" في المدينة.
يشبه تحالف القوات اللبنانية مع الكتلة الشعبية اليوم هذا التحالف بين التيار الوطني الحر والكتلة الشعبية في أول معركة نيابية جرت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2006. إذ أن القوات اللبنانية اختارت هذه المرة أن تضع قبعة محلية تحمي معركتها من سهام محاربتها بذريعة مصادرة قرار المدينة مجددا. وتحالف القوات مع الكتلة يسحب هذا العنوان التقليدي من التداول. ليضع المعركة البلدية المقبلة في قالب مختلف، وإن كان العنوان الذي يختاره التحالف الجديد هو "التغيير".
إلا ان العناوين الإنمائية والمحلية للمعركة قد لا تشيح النظر عن أبعادها السياسية. فثمة "خيط رفيع" يربط المعركة البلدية بحسابات ما بعدها السياسية. وهذا ما يجعل الاستحقاق البلدي معيارا قد يظهر وجهة الصوت المسيحي تحديدا في المدينة، ويحدد مرجعيته السياسية المركزية، فهل تكون الانتخابات البلدية خطوة أولى في إتجاه تحديد الأحجام في المجلس النيابي المقبل الذي سيرافق ولاية رئيس الجمهورية العماد جوزف عون حتى النهاية؟
تملك القوات اللبنانية القوة التجييرية المنظمة الأولى في زحلة، بمقابل أفول نجم التيار الوطني الحر فيها. وهذا ما يجعل من حركتها التحالفية في زحلة خطوة استباقية بوجه أي محاولة لتوسيع القواعد الشعبية التي قد تنافسها في المستقبل.
إلا أن دعم النائب ميشال ضاهر لصديقه على طول ولاية المجلس البلدي أسعد زغيب في المعركة البلدية، وإن شكل مغامرة بمواجهة القوة التجييرية للقوات اللبنانية، فهو لا ينفصل أيضا عن الحسابات السياسية الأوسع.
في الأثناء يبدو أن زحلة متجهة هذه المرة أيضا لمعركة من معارك كسر العظم التي درجت على خوضها عبر سنوات طويلة. وتأثير الصوت الصامت لا يزال فعالا في المدينة، خصوصا أنه من بين 88 ألف ناخب تقريبا على لوائح الشطب، قد يرتفع عدد المصوتين الى 44 ألفا بحسب حماس الزحليين للمعركة.
والى جانب بلوك القوات اللبنانية الواضح من هذه الأصوات، هناك أيضا بلوك شيعي، ربما يكون ثاني أكبر قوة تجييرية، نظرا لقدرته على التأثير على ناخبيه، بالإضافة الى بلوكات أصغر لكل من الكتلة الشعبية، التيار الوطني الحر، الكتائب اللبنانية، وتيار المستقبل.
فيما الجزء الأكبر من الناخبين يتأثرون بالجو العام السائد في البلد، بظل حالة شعبية دائمة في زحلة تختار الوقوف بشكل مطلق الى جانب الشرعية. وهذه الشرعية متمثلة حاليا في كلا اللائحتين المذكورتين. علما أن لزحلة أيضا حساباتها المراعية لخصوصياتها الجغرافية أيضا، والتي تحاول من خلالها أن تبقى متنفسا لأبنائها وجاذبة لمحيطها، بصرف النظر عن التباعد في وجهات النظر السياسية والعقائدية.
|